دستور الحب

إذا كان الحبُ طاقةً فياضةً , عقلية وقلبية وروحيةً , فإنه يظلُ فى حاجةٍ إلى دستور


خارق , يُفجرُ فى النفس ينابيعها , ويَخُطُ فى وديان الحياة مجراها ومصبها ,

خاصةً أن هذه الطاقة , مدعومة بمكامن توهج نفسية , من الفطرة والغريزة

والشهوة, مما يجعل النفس تؤُثر العاجل على الآجل , وتُيسرُ لها الأدنى ,

وتعسر

عليها الأعلى .

نعم إنها طاقة عظيمة , تتعددُ مناهلها , ولاتستوى غاياتها !

لذا لم يُترك للبشر صياغة دستورها , فكانت الكتب السماوية , منذُ بدأ الخليقة

تأخذُ بأيدى وعقول وقلوب البشرية , إلى أعلى فضاءاته , وأشرف سماواته ,

وكان القرآن الكريمُ أعظمها , والمُهيمن عليها , كدستور ربانىّ دائم , بديمومة

الحياة الأرضية , يخُطُ لهذة الطاقة العظيمة , قانونها السماوىّ , ويُؤنسُ

الأرواح

السائرة على دربه , ليس فقط فى حياتها الدنيا , بل وفى برزخها , ومستقر

رحمة

حبيبها.

يستجيشُ بآياته مكامن النفس البشرية , ويأخذُ فى يسرٍ ورحمةٍ , بتلابيبها

وخطواتها

إلى أعتاب محراب الحب , عبر دروب العلم , ويُقيمُ لها بستان سعادتها

الإنسانية

الدائمة والخالدة , بأشجار عطائها المُورقة , ونسمات أفيائها الوارفة.

تخطو النفوسُ البشرية إلى الرحاب القرآنية النورانية , فتدركُ الحكمة العظيمة

وراء وجودها , وأسباب الوجود وماهيته ومقاصده , ومنهاج السعادة القويم ,

لكينونتها الدنيا والعليا , فى كليات _ رغم عظمها _ معدودة , وجزئيات شاملة

سابغة

والحب فيها جميعها الجسد والروح معا .

والأهم من هذا كله , أنه يُعرفها بالحبيب المُحب , الذى هيأ لها أسباب الوجود

بمحبته

حتى قبل خلقه لها , وبحبه لها سواها بيديه , ونفخ فيها من روحه القدسية

النورانية

العُلوية , يُعرفها به ذاتا وصفاتا , وأسماءا , وكمالا مُطلقا .

ويبسطُ أمامها بساط الكمال البشرىّ النسبى , فى وجودها الأرضىّ , بدوحة

الحب

الإيمانى , كخليفة ربانى , يتمثل صفات حبيبه ومعبوده , فى خلافته الكونية عنه ,


فيقتبس من أطيافها قواما لوجوده .

ولما كان ربه وحبيبه عليما , فإنه يسلك درب محبته بالعلم , ويتحلى بالكرم

حبا

ورغبة فى أن يأخذ الكريم بيديه إلى دار كرامته , ويَعْدِلُ تمثلا بقيومية معبوده

الحبيب بالقسط بين عباده , محبة له وإلتماسا لحبه , ويتراحم لأن حبيبه

يُنال

طاعته ورضاه بالرحمة من محبيه وعباده.

وهكذا يتخلقُ المحبُ لربه , بصفات محبوبه , ويدعو إليها , ويموتُ فى سبيلها


فما أرخصُ الحياة الموهوبة , لتكون شهادة داله على محبة الرب العظيم .