مسلسل الأكاذيب





مسلسل اكاذيب Hisar-safina1


الثلاثاء 1/6/2010

لو اشترينا الرواية الاسرائيلية، فيجب الاستنتاج أننا أمام قوات عسكرية مؤلفة من أنذال. فما معنى تبرير المجزرة التي اقترفها كوماندوز مدرّبون ضد نشطاء سفن الحرية، بزعم تعرضهم لضربات بالهراوات؟ وكيف تم اختطاف مسدسات منهم فيما هم يهبطون من المروحيّات تحت جنح الظلام؟ المنطق يقول إن جندي الكوماندوز، في كل مكان، هو مقاتل قادر على مواجهة هجوم عاديّ عليه بهراوة أو سكين، حتى دون حاجة لبنادق ولا مسدسات.
لكن حتى هذه لا تشكّل الصورة بأكملها. فالرواية الاسرائيلية التي تبرّر القتل تبدّلت بمعدّل مرة كل ساعة، أمس. فتارة تحدث الناطقون الرسميون عن حيازة النشطاء مسدسات؛ ثم احتمال قيامهم بانتزاع مسدسات من الكوماندوز؛ وأخيرًا أدخلوا الى المشهد السينمائي سكاكين وفؤوس وسائر ما تفتّق عنه خيالهم الخبيث من أسلحة خفيفة. وبالطبع، فكل هذه المزاعم ترددت كالصدى في كهف الاعلام الاسرائيلي المظلم والآسن. وكأنه لا تكفينا الأكاذيب الرسمية الخارجة من وزارات ومكاتب الحكومة، حتى تقصف مسامعنا أيضًا تلك الأبواق الوضيعة في معظم استوديوهات التلفزة والاذاعة ومكاتب تحرير الصحافة المكتوبة الاسرائيلية.
وإلى هذا يُضاف حديث وزير "الأمن" ورئيس أركان جيش الاحتلال الاسرائيلي اللذين وزّعا الأكاذيب رفيعة المستوى خلال مؤتمر صحفي مشترك. فالأول حمّل النشطاء مسؤولية ما جرى والثاني وصف سلوك قواته بالدفاعيّ بعد تعرّضهم لهجوم. ولكن لشدة صدقهما لم يسمحا لأي صحفيّ بطرح الأسئلة عليهما!
بالرغم من كل تلك الجهود اللئيمة، فإن العالم لم يقبل تلك الرواية التافهة والدموية، في أن معًا. لأن الصورة بسيطة حدّ الفظاعة: نشطاء ونشيطات مسلحين بالارادة والمساعدات الإنسانية وجدوا أنفسهم امام قوة مدجّجة من الكوماندوز الذين ينقضّون عليهم من المروحيّات في مشهد أرادت له مؤسسة اسرائيل استعراض القوة الغاشمة، فوجدت نفسها تغوص حتى أذنيّ رئيس حكومتها في وحل الجريمة البشعة والعار.
أكثر ما يُقلق في سلوكيات هذه المؤسسة أنها لا تتصرف بطريقة دمويّة منفلتة فحسب، بل إنها تتصرف بشكل أشبه بالانتحاري، سياسيًا ودوليًا، حتى فيما يتعلق بمصالحها هي. ربما يدلّ هذا على عمق الأزمة، فقدان الرشد والحيلة، ثمل القوّة وسقوط جميع الأقنعة - ولكن هذا بالضبط ما يثير القلق لأننا نقف في مواجهة مؤسسة مدججة بأخطر الأسلحة – ومعظمها أمريكية – فيما تصرّ على سياستها الحربيّة التي لم تعد تجد الكثير من الزبائن المتطوعين لشرائها!
في سياق متّصل جدًا، يجب التيقّظ والتنبّه من محاولات للبطش بجماهيرنا العربية هنا، عبر استخدام مسلسلات أكاذيب مشبوهة. وهناك أساس قويّ لهذا. فما معنى التستّر على حقيقة وضع الشيخ رائد صلاح لمدة 16 ساعة أمس؟! ما المقصود بتسريب معلومات كاذبة ونشرها في التلفزة الاسرائيلية عن مقتل نشطاء من حيفا، بل والزعم بتبليغ عائلاتهم بذلك، علمًا بأنه لم يتواجد أي نشيط/ة من حيفا على متن السفن؟! ولماذا خرج ضابط شرطة كبير في المنطقة الشمالية بتصريحات حربجية تهدّد بالقمع والبطش، وسط مواصلة حالة الغموض المنهجيّة على حقيقة ما يجري؟
إن هذه المؤسسة الثملة بقوّتها والمنفلتة بجنونها السياسي والعسكريّ، تجعل من الضرورة مواجهتها بكل جرأة ولكن بكامل اليقظة والمسؤولية. وقد تعلمنا من تجربة جماهيرنا التاريخية، التي تشكّل مدرسة عريقة، أن نضالنا يجب أن يكون أشبه بسباق المسافات الطويلة: حازم، مدروس، جريء وحكيم. ونحن لها!