مرارة مواجهة الحقيقه

في بلادنا التي تحطّمت فيها أشياء كثيرة ومنها للأسف بعض القيم والثوابت الانسانيّة , علينا أن نرعى كل غرس طيّب وبذرة تراحم ومودة في ما بيننا , لا أن نتبع أهواءنا وأمزجتنا ونتجنّب الحقيقة من أجل أهداف بعيدة هواجس انتمائنا للوطن والأرض والانسانية , وهي أمور قد تسبق الابداع والثقافة الخالية من الحس الانساني بكل تأكيد .
لقد قلت ُ وأنا أتعرّض لغيبوبتي أنني سقطت مغشيّا عليّ بين أناس لا أعرفهم ولا يعرفونني , لكنني صحوت ُ على كلماتهم المحبة وحنانهم الانساني الرفيع الذي أشعرني حقيقة بقيمة أن أكون في بلادي وبين ناسي , أؤلئك الذي يحصلون على لقمة خبزهم الشريفة اليومية بالكاد , و مع هذا تراهم متعففين رائعين , لا يتأخرون عن فعل الخير لحظة واحدة , حملوني وهم لا يعرفونني , ومسحوا دمائي بملابسهم التي بللها عرق تعبهم , لم ينتظروا مني شيئا , حافظوا على حقيبتي وأشيائي , وقبل ذلك عليّ .
هو غرس نبيل ٌ علينا أن نسقيه بكلّل ما نستطيع من الطيب , وعلينا نحن الذين أسمينا أنفسنا مثقفين أن نتعلّم من هؤلاء الناس البسطاء الشرفاء ذوي الشهامة والغيرة , وعلينا أن نراجع مواقفنا وأنفسنا وأن نسعى للخير ونحرسه , وأن نغذّي المواقف الشجاعة الشريفة التي تضع الحق أما أعينها كي تتصرف وفقه , وأن لا نرمي الآخرين بالتهم والتسميات التي لا تعني إلا الحقد والجهل وانعدام الضمير .
لماذا لانسمّي الأشياء بمسمياتها , ولماذا نخشى مواجهة الحقيقة بكل نصاعتها ؟
لقد قلت ُ كلمة حقّ , فهاجموني , لأننتي عنيت ُ فلانا ولم أعن ِ آخر , وفلان ٌ لا يريدونه لأسباب مضحكة غير معقولة , وعليه يجب أن يتحدث عنه الجميع بلسان واحد , حتى لو جلب المستحيل ووضعه أمامنا !
لماذا لا نعترف بحقائقنا ؟
لماذا نخشى تسمية الأشياء بمسمياتها وعناوينها ؟
لماذا - أيها المثقفون الأعزاء - من أبناء بلدي يرى البعض منا الأبيض أسود , ويرى الأسود أبيض , لميول شخصية أو سياسيّة ؟
لماذا لا نتحاور ونضع كلّ شيء في المكان الذي يستحقّه ؟
لا أريد هنا الحديث التفصيلي عن الثقافة وأمراضها , وعن الأقنعة التي يعرفها الجميع , ومع هذا لا يجرؤ أحدٌ إلا القليل منا على الإشارة إليها واتخاذ موقف مناسب منها ؟
لماذا لا نسقى بذور الطيب الذي يحاول الكثير منا زراعتهل بكل صدق وإخلاص ؟
لماذا نكذب على بعضنا البعض ؟ لماذا ؟
الذي مرّ على بلادنا الجريحة أعطانا درسا بليغا في الحياة بكل جوانبها , فعلينا أن لا نجعل ثمار هذه الدروس الندم , علينا أن نتعلّم من جراحنا , وأن نقف أمام مرايانا لنتساءل , ونبحث عن الملامح التي وضعناها قسرا على وجوهنا , فالمسألة لم تعد فلانا وفلانا , بل تعدّت ذلك إلى مصائر ومقدرات وحيوات على المثقف الحقيقي أن يكون إيجابيا صادقا يساهم بشكل حقيقي في وضع يده بيد كل جهد طيب نبيل خارج التسميات والأطر وخارج تعليمات الأحزاب والمنظمات والتكتلات المريضة .
نعم مواجهة الحقيقة مريرة , والإعتراف بالنجاح الذي يحققه غيرنا صعب علينا , أليس كذلك ؟
لا أدري والله , لكنني ومهما حصل وحدث , سأواجه الأشياء بمسمياتها الحقيقية , وسأهتف للجميل , وسأبارك كل جهد طيّب مهما كان توجه فاعله , فنحن بحاجة إلى أن نؤازر بعضنا البعض , لا أن نهشّم بعضنا البعض .....والله كريم !!