حريتنا… يجب أن تقف عند إشارة المرور الحمراء
الحرية المظلومة…

الحرية إن انحرفت عن الحق أضرت بصاحبها وأضرت بالآخرين…
هل من الحرية ألا تتوقف أمام إشارة المرور الحمراء؟
لقد أبى الرسول صلى الله عليه وسلم كل مساومة مهما كثرت الإغراءات
لا يُمنع المؤمنون من أن يأخذوا من غيرهم ما يوافق مقاصد دينهم ولا يعارضها
إن الحرية ليست خالية من الضوابط التي تقيد الناس وإلا صارت فوضى…
هل من الحرية ألا تتوقف أمام اشارة المرور الحمراء؟
ولو أبحنا للناس أن يغيروا دينهم لصار الدين ألعوبة في يد من يشاء يسلم حين يكون الظرف مناسبا للاسلام، ويكفر حين يكون الظرف مناسبا للكفر
ينبغي ألا يفرض علينا في بلدنا المسلم إعلام غربي أو شرقي يخالف ما جاء به الدين تحت إطار (الحرية)
إننا -حقا- نعيش في مجتمع مفتوح، ولكن انفتاح المجتمع ينبغي ألا يمس مقدساتنا، وإن من واجبنا ان نوجد في داخلنا حاجزا يمنع انهيار الأخلاق، ويمنع التعدي على القيم
إن الحرية إن انحرفت عن الحق أضرت بصاحبها وأضرت بالآخرين، وصارت ضربا من العبث والفساد
إن الله سيسأل الدعاة على علمهم ماذا عملوا فيه
الحرية الشرعية هي الحرية التي يرسم الشرع حدودها، ويوضح معالمها وآثارها، فهي حرية منضبطة بضوابط الشرع، وليست لنوازع الهوى
العلمانية تدعي (أن الغرب لم يتقدم إلا عندما مزق سيطرة الكنيسة وسيطرة رجال الدين المسيحيين)
إن الحرية التي كفلها الدين لا تقوم إلا على الحق وعلى الصدق والمحبة، بحيث تتلاشى فيها الامتيازات غير الطبيعية لفئة على أخرى من بين الناس.
أولاً: الحرية من أصول الدين
لا مجال للتردد في عرض الأصول الدينية أمام الناس، ولا مجال للمساومة تجاهها، أو الاختيار من بينها، أو التشكيك في بعضها، أو المهادنة حيال المتشككين المشككين في هذه الأصول من غير ان تكون لهم رغبة حقيقية في الوصول الى الصدق واليقين، وانما هم يسيرون وراء هوى غربي أو شرقي يقلدونه وهم معصبو العيون عما عندهم من تعاليم الله وتعاليم رسوله وهديه في سيرته وسنته صلى الله عليه وسلم، فيتركون ذلك المنهج المعصوم، ويلوذون بمناهج أخرى أرضية يقلدونها، وان خالفت مبادئ السماء، ويجهرون بها وان أفسدت جيلا من الأبناء.
أصول الدين في العقيدة والشريعة لا خلاف عليها بين جميع علماء الأمة في جميع عصورها وأمصارها، وهم في ذلك يتبعون هدى الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي أبى كل مساومة مهما كثرت الاغراءات ملكا كانت أم مالا، أم نساء، وقال قولته المشهورة بين الناس «والله -يا عم- لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على ان أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أموت دونه»، يقول هذا وهو في المرحلة المكية مع قلة من أصحابه يلحقهم أعظم البلاء وأشد الايذاء، ولكنه يأبى الا ان تكون الأصول واضحة والحقائق ناصعة لا يقبل فيها أنصاف الحلول، لقد عرض عليه المشركون ان يعبد آلهتهم يوما، ويعبدون الهه يوما، فأنزل الله «قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون.».السورة، ليكون هذا بيانا للناس وبلاغا لهم ان أصول هذا الدين لا يصح ان يزاحمها في قلب المؤمن شيء، فضلا عن ان يتخلى عنها ليضع مكانها مبادئ بشرية، وأضاليل أرضية.
على ان هذا لا يمنع المؤمنين من ان يأخذوا من غيرهم ما يوافق مقاصد دينهم ولا يعارضها، وفرق بين أصول يجب ان يأخذها الصغير عن الكبير، وتتربى عليها الأجيال، لتصنع في أنفسها القوة المعنوية المؤثرة في الحياة التي تأبى الاستسلام عند البلاء وان اشتد، وترفض الخضوع للأعداء وان تمكنوا، وتعلن في عزم وتصميم أنها تعيش على هذه الأصول وتموت في سبيلها.
أقول فرق بين التمسك بالأصول ثم بعد ذلك قد نوافق الآخرين فيما لا يتعارض معها، بل يوافق مقاصدها، ويحقق غرضها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في (حلف الفضول) حيث شارك في التعهد على رفع الظلم عن المظلوم ورد مظلمته اليه، والوقوف في وجه الظالم، وقال عن هذا الحلف «لو دعيت به في الاسلام لأجبت» فرق بين هذا وبين التخلي عن الأصول، أو اهدار مقاصدها، أو اتخاذ ما يناقضها ويعارضها في غير مواربة، مما يحاول البعض ان يفعله تحت دعوى (الحرية) التي يظلمونها حين يرفعون شعارها ليهدموا تحت ظله قيم المجتمع ومبادئه، تلك التي تدعو الى احياء القلوب ورفع الرؤوس، واعلاء الكرامة، وتحقيق العزة والشهامة، فلتكن كلمة الحرية في أيدي هؤلاء هي معول الهدم لهذه القيم والمبادئ، ولتكن هي السكين الذي تذبح به الفضائل.
ثانياً: الحرية الشرعية
الحرية الشرعية هي الحرية التي يرسم الشرع حدودها، ويوضح معالمها وآثارها، فهي حرية منضبطة بضوابط الشرع، وليست لنوازع الهوى، وهي الحرية التي ظهرت في عصر المسلمين الأول، فحيث كان يسكن الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه في المدينة كانت الحرية متجلية في اسمى صورة، كتب الرسول الوثيقة التي وضحت معالم الحرية لليهود وللمسلمين وللطوائف الأخرى.
ولولا غدر اليهود وبغيهم وحسدهم لظلوا يعيشون في المدينة ولكنهم –كدأبهم وطبعهم- لم يوفوا بالعهود ولا بالمواثيق، فأخرجوا من المدينة جزاء بغيهم ونقضهم ما عاهدوا الرسول عليه.
ولقد بقيت الطوائف غير المسلمة –في بلاد الاسلام- متمتعة بكامل حقوقها في الدين والتملك والتصرف والمعاملة، لأن الحرية المكفولة لهم ليست منحة من بشر، ولكنها تشريع من الله، لا مكان فيه للفوضى، ولا مجال فيه للاضطراب، وليست الحرية التي يدعيها غير المسلمين كذلك، اذ ان عنصر الفوضى والاباحية التي لا ضابط لها متغلغل في أعماقها، مصاحب لوجودها، وهذا ما جعل بعض العلماء في العصر الأخير يقف من هذه الحرية المضطربة موقف المستريب المتشكك في ثمرتها.
لقد التقى الشيخ نجيب المطيعي –أحد العلماء البارزين في العصر الحديث- مع الأستاذ سعيد النورسي في استنبول، فسأله الشيخ المطيعي: ما قولك عن الحرية الموجودة في الدولة العثمانية وعن المدنية الأوروبية؟ فأجابه النورسي: ان الدولة العثمانية حبلى الآن بجنين أوروبا، وستلد يوما حكومة مثلها، أما أوروبا فهي حاملة بالاسلام وستلد يوما ما» (رجل القدر – ص38).
وهذه الاجابة تحمل ايماءتين:

احداهما استشفاف ما سيصيب العالم الاسلامي من نكبات ما يطلق عليه «حرية الغرب» وهي ما ينبغي الحذر منه،
والأخرى: الارهاص بما سيكون من شأن للاسلام والمسلمين في مستقبل الأيام، وهذا ما حدث بعضه الآن في أمريكا، مما جعل الرئيس الأمريكي يحتفل بعيد الفطر مع عدد من المسلمين في البيت الأبيض، وجعل الصلاة مسموحا بها للمسلمين في الجيش الأمريكي، وتم تعيين بعض المرشدين الدينيين لهم في الجيش.
ويعتبر الاسلام ثاني أكبر ديانه –الآن- في فرنسا، اذ يبلغ عدد المسلمين فيها أربعة ملايين شخص.
أما ما أصاب العالم الاسلامي من جراء هذه (الفوضى الغربية) التي يحلو للبعض ان يسميها «الحرية» فشيئان ظاهران:
-1 موجة السفور والتبرج وما لحق بها من عروض أزياء واختلاط وما صحبها من دعوة لتحرير المرأة، ومشاركتها الرجل في الأعمال والسلوك والتصرفات.
-2 انتشار بعض الأفكار الالحادية التي تظهر من آن لآخر في بعض البلدان الاسلامية على يد بعض الذين اغتربت أفكارهم، فتجد لهم كتبا أو مقالات أو رسوما يطعنون بها الدين، ويحاولون الحاق الأذى بالله وبرسوله وبالمؤمنين، وما كان هذا أو ذاك الا تقليدا للغرب وللنمط السائد فيه ومحاولة التخلق ببعض أخلاقه المتسيبة، المتسترة باسم الحرية، مما جعل كثيرا من العلماء يتصدون لهذه الدعوة التدميرية التي تهدف الى طمس هوية المسلم، مفرقين في الوقت نفسه بين ضرورة اقتباس العلوم التي تغذي التقدم، وضرورة الابتعاد عن أخذ شيء من الجوانب السلبية للحياة الاجتماعية الغربية، مع وجود التصدي للموجة الالحادية، وبيان زيفها والكشف عن أهدافها وغايتها المستورة، بل وبعض وسائلها الخفية، وقد أخذ بعض العلماء الميثاق على أنفسهم ليبينه للناس، يقول أحد العلماء: «فالخدمة التي يستطيع أداءها شخص مثلي هي تقديم النصيحة للأمة وللدولة، ولا قيمة لهذه النصيحة الا بحسن تأثيرها، ولا يحسن تأثيرها الا عندما تكون مخلصة خالية من شوائب الطمع، بعيدة عن المنافع الشخصية» (رجل القدر – ص36) وصحب هذه الموجة الالحادية عوالق تدعو الى العلمانية بدعوى (أن الغرب لم يتقدم الا عندما مزق سيطرة الكنيسة وسيطرة رجال الدين المسيحيين) وكانت هذه الدعوة الى العلمانية دعوة مبكرة لم يتركها العلماء، بل تصدوا لها وبينوا ان الاسلام ليس فيه رجال دين بالمفهوم الغربي المسيحي، فليس عندنا رهبان ولكن عندنا مرشدون ودالون على الطريق يعرفون ان الاسلام نظام كامل للحياة (اذ تكفل للذين يفتخرون بالانتساب اليه بوضع نظام قائم على العقل والمنطق لحياتهم الدنيوية والأخروية ووضع الأحكام لذلك) (رجل القدر – ص41) ان الحرية التي كفلها الدين لا تقوم الا على الحق وعلى الصدق والمحبة، بحيث تتلاشى فيه الامتيازات غير الطبيعية لفئة على أخرى من بين الناس.
ولا يخدعن أحدا ان يرتدي التحلل الأخلاقي أو التخلي عن الآداب الدينية رداء الحرية، لأن الافتراء سرعان ما يظهر أمره والمكر والكيد لا يخفى سره كثيرا، ولو كان الايمان بالتمنى لفعل العلماء العاملون
ما قاله الشاعر حين قال:
ولولا تكاليف العلا ومقاصد*
غوال وأعقاب الأحاديث في غدى لأعطيت نفسي في التخلي مرادها*
وذاك مرادي مذ نشأت ومقصدي ان الحرية الشرعية تدفع المسلم لأن يعتز بكرامته الانسانية، فليس هو عبدا الا لله وحده، فهي من خصائص الايمان لا يذوق ثمرتها الا من عرف الايمان والالتزام حق المعرفة، وكل من أسلم وجهه لله حسن عمله، له من الحرية الشرعية نصيب، بقدر ما في قلبه من ايمان وما في عمله من احسان.
ثالثاً: الحرية المظلومة…
ان الحرية ليست خالية من الضوابط التي تقيد الناس والا صارت فوضى…
فهل من الحرية ان تسير عكس الاتجاه؟
وهل من الحرية ألا تتوقف أمام اشارة المرور الحمراء؟
وهل من الحرية ان تصادم الناس -كل الناس- في معتقداتهم ودينهم ومبادئهم وقيمهم؟
وهل من الحرية ان يبيع الناس ما يشاءون ولو كان من المحرمات؟
أنفتح الباب أمام تجار المخدرات بدعوى حرية التجارة؟
أم نبيح لتجار الأغذية الفاسدة ان يفرضوها على الناس في الأسواق، بدعوى ان الناس أحرار فيما يأكلون، أحرار فيما يشترون، اذا كان أحد لا يوافق على هذا فلماذا يوافق على ان تعرض العقول جنونها؟
ولماذا يوافق على ان تعرض الغرائز نزواتها؟ولماذا يوافق على ان تذبح العقيدة بسكين أحمر حين يسب هذا الذابح ذات الله -سبحانه-؟ ولماذا نفسح لهؤلاء في ديارنا، ونعرض شذوذهم في معارضنا، ونقول لأبنائنا وبناتنا: خذوا فاقرؤوا واعملوا كما يفعل هؤلاء وان أنكره كبار السن، فلا تسمعوا لهم فانهم رجعيون، ونحن تقدميون، وهذه سمتنا نعلنها بينكم فخذوا طريقتنا في الحياة، ارتعوا في دنياكم، وحققوا لشهواتكم مطالبها، ولا تركنوا الى عقيدة، ولا تفعلوا عبادة، وليكن همكم الشراب والطعام والشهوة من غير ان تمنعها عقيدة ولا تصدها من المنكرات عبادة؟ انهم يقولون للشباب بلسان الحال: أنتم أحرار فيما تفعلون وتقولون وتلبسون، واياكم ان يخيفكم أحد بعذاب من الله، فهذه خرافة فلا تركنوا لها وأسطورة فلا تأبهوا بها (انظر: العقل بين الشذوذ والجحود «المنار العدد:7»).
كل هذا يتم بدعوى الحرية، وان شئت الحق فقل: انه الهدم في الجيل الجديد الذي هو ذخر الكويت في مستقبلها، وعدتها في بناء مجتمعها والمحافظة على كيانها في قادم الأيام، ولا صلة لهذه من قريب أو بعيد بدعوى الحرية، لأن الحرية ان تفعل ما لا يضرك أو يضر الآخرين، وبمعنى آخر ان تفعل ما ينفعك دون ان تلحق ضررا بأي شخص آخر، فليس من حق الانسان ان يقدم على الانتحار بدعوى الحرية، وليس من حقه ان يدخل بيوت الآخرين بغير اذنهم بدعوى الحرية، وليس من حقه ان يسيء اليهم بدعوى الحرية، وليس من حق أحد ان يرتد عن دين الله بدعوى حرية الأديان والاستشهاد خطأ بقول الله {لا اكراه في الدين} لأن الآية تلزم المؤمنين ألا يكرهوا أحدا على الدخول في الدين، ولا صلة لها بالمرتدين الذين جاءت السنة بأحكامهم الشرعية التي ليس هنا مجال تفصيلها.
ولو أبحنا للناس ان يغيروا دينهم لصار الدين ألعوبة في يد من يشاء يسلم حين يكون الظرف مناسبا للاسلام، ويكفر حين يكون الظرف مناسبا للكفر، ويتقلب بين هذين الاتجاهين بحسب الظروف والأحوال.
فأي دين هذا؟ ان الدين ليس زيا يبدل حسب ظروف الجو، أو طعاما يؤكل ويطلب عند الاشتهاء ويعرض عنه في غير ذلك، ان هذا اساءة للدين، واساءة للمؤمنين.
وكل ما يمس أصول الدين ومبادئه ينبغي ان يصان -في مجتمع المؤمنين- فلا يتعرض له متعرض الا بخير لأنه يتعرض لشيء مقدس يحمله قلب كل مؤمن يعيش فوق هذه الأرض.
فلا ينبغي ان يفرض علينا في بلدنا المسلم اعلام غربي أو شرقي يخالف ما جاء به الدين تحت اطار (الحرية).
اننا -حقا- نعيش في مجتمع مفتوح، ولكن انفتاح المجتمع لا ينبغي ان يمس مقدساتنا، وان من واجبنا ان نوجد في داخلنا حاجزا يمنع انهيار الأخلاق، ويمنع التعدي على القيم، وللأسف فنحن نقر في بلدنا المسلم ان يتلاعب الاعلام بأبنائنا تحت مسمى: (الحرية) وأن يسيء الينا أجمعين.
ساء ما يقولون وبئس ما اليه يدعون أو يفعلون.
اننا ما زلنا متمسكين بموقف مبدئي لنا تجاه دول معينة (دول الضد) لأنها وقفت منا موقفا غير مؤيد لقضيتنا العادلة، ولو أخذنا بمبدأ ان الناس أحرار في مواقفهم وأقوالهم لكنا مخطئين في موقفنا منهم، فهل نحن مخطئون في حقهم بناء على هذا المبدأ الجائر؟ ان الحرية ان انحرفت عن الحق أضرت بصاحبها وأضرت بالآخرين، وصارت ضربا من العبث والفساد، وهل الحق في بلدنا وبلاد المسلمين سوى ما أنزله الله -سبحانه- وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما الحرية الا تبع لهذا الحق، تسير في ركابه ولا تحيد عنه، والا صارت شيئا آخر.
فلماذا نقدمها على الدين؟ ونبيح باسمها ما يناقضه ويعارضه؟ وما الحرية هنا الا خيط الحرير الذي تتم به جريمة الشنق والخنق لمبادئ الدين وقيمه التي على أساسها تربت أجيال وأجيال، ولكن المفسدين يودون ان تنبت صلة الجيل الحاضر بدينه وقيمه، بحيث لا يعرف اتجاها ولا ينتمي الى هوية واضحة، يكافح من أجلها في الحياة، ويذود بها ضد الطغاة، ويحافظ بها على بلده ومقدراته وخيراته كما يحافظ الأباة.
رابعاً: واجب الدعاة
ان واجب الدعاة ان يبينوا للناس دين الله بوضوح لا لبس فيه وجلاء لا غبش فيه، وأن تكون الصلابة في الحق سبيلهم، والحكمة والموعظة طريقهم في البلاغ، ولا تنافي بين اظهار المبادئ واعلانها في قوة، وبين اتخاذ الحكمة والموعظة الحسنة طريقا لايصال هذا الحق، والمهم ألا يتهاون الدعاة في شأن اظهار الحق، في مسألة من المسائل، دون نظر لأن هذا الحق قد يغضب فلانا أو يرضي فلانا، ولكن ينبغي ان يكون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوصت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما حين أرسل اليها يطلب منها ان توصيه، فكتبت اليه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله الى الناس».
ورضا الله في اتباع الحق وحده، يرضى به من يرضى، ويسخط به من يسخط، وان على الدعاة ألا يستخدموا العبارات المبهمة في القضايا الحاسمة، وأن يتركوا الغمغمة في بيان الأحكام الشرعية، على الدعاة ان يراقبوا الله في أقوالهم وأعمالهم فلا يتركوا أمرا الا بينوا رأي الدين فيه بوضوح وجلاء مع استخدام أدب الحديث، والبعد كل البعد عن الغلظة في القول عند بيان الأحكام الشرعية.
ان الله سيسأل الدعاة على علمهم ماذا عملوا فيه، فلا يغيب عن الأذهان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في كاتمي العلم الذين يلجمون بلجام من نار يوم القيامة، ولا يغيب عن البال قول الله: {واذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
خامساً: الحرية في أوطاننا
في سياسات الأوطان خطوط حمراء تعارف الناس عليها والبشر، وقد تعارفنا في الكويت ان من الأمور التي اتفق عليها أهل الكويت ان الدستور الذي تم صياغته والاتفاق عليه في سنة (1962م) هو الاطار الذي يحتكم اليه في المنازعات البشرية والاختلافات السياسية منها والاجتماعية والاعلامية وغيرها، ولو نظرنا عند التخاصم في مواد الدستور والمذكرة التفسيرية لوجدنا ما يغنينا عن كثير من الصراع واضاعة الأوقات والمال، وعلى سبيل المثال استقر الأمر على أنه لا منازعة لولي الأمر في حكمه كما في المادة الرابعة والمواد المنظمة لها والمذكرة التفسيرية الموضحة كما ان المادة الثانية وضحتها مذكرة التفسير لها بأن لا يعمد المشرع الى المصادر البشرية الا بعد فراغ جهده بالأخذ من الشريعة الاسلامية كما ان في الوقت الذي جعل الدستور لموارده قوة المصدر وجعل حمايته أمانة في عنق الكويتيين في هذا الوقت أعطى سعة لممثل الشعب من خلال المواد الأخرى والمذكرة التفسيرية بأن يغير الدستور الى ما هو أفضل وأحسن لصالح المجتمع والدستور وما أظن ان الانفلاتات التي تحدث اليوم عندنا في الجوانب السياسية والاعلامية والأخلاقية الا نتيجة لضياع الفهم لمواد الدستور بكليتها وروحها وترابطها مع بعضها البعض، فالخطوط الحمراء فيما ذكرنا ليست مطلقة يضعها من يضعها وينزعها من ينزعها ولكنها محكومة بدستورنا وأعرافنا وتقاليدنا أسال الله ان يهدينا -جميعا- سواء السبيل.