القلبُ جوازُ سَفَرٍ وتيْه ..
والذاكرةُ شوقٌ و أبقى ..

..
.
تلمَحَهم فوقَ صَفَحاتِ الجرائدِ , كلّ يومٍ تصفعُهمُ العَنَاوينْ ..
يبحثونَ عن مكانٍ بينَ الكلماتِ المُتقاطعَة , وينثرونَ أحلامَهُم وأمانيْهُم كـأرقامٍ للطوارئ ..
إنْ فقدتَهم فاعلمْ أنّ خيبةً ما لقَفَتْهم , وغَرَسَتْ أنيابَها في أعناقهم , و رمتْهم على أطلالِ سلّةِ المُهملات ..!
لذا حفّز دهشتكَ دائماً , فَقَدْ تُشاهدَهم كــ وجومٍ باردٍ في صفحةِ الوفيّات ..!
مُمزّقينَ ينتظرونَ لقاءَ أشباههم , وكم مِنْ شبيهٍ بيننا , وكم من خيبةٍ فاغرة ..!؟
..
.
بينَ هُنا و هُناكَ عتمَةٌ تلفُّ الأصقاعَ بحثاً عنْ أيّ شيء
هيامَكَ / إلهَامَكَ يتلبّسهُ الفناءَ عُنوةً بينما الصبحُ يتنفّسُ مِنْ خُرمِ إبرة ..!
وأنتَ , مَنْ أنتْ .!؟
تُهرولُ في نومكَ فَزَعاً , تستعجلُ هَرَماً قبلَ أوانهِ بخريفٍ و شيب ..
تعالَ , عُدْ قبلَ أنْ يبتُرَ البؤسُ نظراتِ القناديل ..
أيّها المُسافرُ ابقَ مُتجذّراً مع حزنكَ والذكرياتِ التي تحتفي بالترابِ الذي عشقتْ ..
فهُناكَ الذكرياتُ مُحرّمةٌ , وهُنا ممنوعٌ الحياةُ لمَنْ لديهِ قلب ..!
وعلى المُسافرينَ أمثالكَ أنْ يفهموا بأنّ الطُرقَ المؤديّةَ إلى هُناكَ مُتخمةٌ بالفراغ ..
وهُنا يقولونَ أنّ الحُزنَ خرقٌ سافرٌ للقانون والأملُ فيهِ منَ التحريضِ ما يكفي لتبريرِ شنقِ الأمنيات ..!
لتعبرَ يجبُ عليكَ أنْ ترتعد , أنْ تدفعَ نصفَ الذكرياتِ كرسمٍ للمرور ..
أمّا النصفُ الآخرُ فتدسّهُ كرشوةٍ للخفيرِ / الحقيرِ هُناك ..!
أترى كلّ تلكَ القلوب الهادرة / الحائرة , أتتْ من كلّ جرحٍ عميق ..
تحملُ ما خَفَّ نبضهُ من أمل وما اشتدَّ عَصفَهُ مِن ألم ..
ولأنّها لا تملكُ إلّا نصفَ ذاكرةٍ لا زالتْ على الحدِّ ..
فنصبتْ أضلاعها نحوَ الجنوبِ و راحتْ تُطعمُ الشمسَ مِنْ زادها ..
تتقاسمُ معَ الحمائمِ المخنوقةِ أوجاعها و دفءَ الصدور ..
وبالمصادفةِ حينَ تعلّقتْ بجناح , اصطادها الليل و جَلَدَها هَلَعُ الأُفق ..
و صَرَخَ فيها الصدى : تَرِبَتْ أرواحَكم أيّها السَادرون ..
فنَهَبَ نجواها و الطريق , و أبقاها خاويةً إلّا منَ النغزات ..
و عبّأ أقحافَها فَحيْحَاً , فتَصَفّدَ مِنْ وتينها أنهارٌ مِنْ حَنين ..
..
.
يا صاحبي كلّ الطرقِ سقيمة ..
والسبيلُ الذي كانَ هُنا هادنَ الضفّةَ الأُخرى هُناك ..
كلّلتهُ غيمةً سوداءَ مُدلهمّة تحرسُ / تحبسُ الأمطارَ والأنظارَ ولا تُغيث ..!
والمرجُ الذي أنبتَ سنابلاً أحرقتهُ الحسرةُ ..
تيبّستْ غلالهُ ولمْ يحصدها أحد , صنعوا منَ الرّمادِ تمثالاً في العراء ..
وعندَ أول محنةٍ واجهَ الريحَ فانكسرَ و فاحَتْ رائحةُ القمح ..
فعادَ الصدى - مرّةً أُخرى - بغضبٍ أرهقَ / ألهبَ المَدَائن ..
أسرَهم على الحدِّ بينَ شوقين , و صبَّ حولهم زُبُرَ الظمأ ..
قالَ لهم : انتظروا على ردفاتِ النوافذِ كلّ صباح ..
وإنّهم لمنَ المُنتظرين , ولازالوا ..!
..
.
يا صاحبي كثيرةٌ هيَ السراديب , مُكتظةٌ بالشهقاتِ و العيون ..
يبتلعُها الظلامُ و يقتُلُها شُرودُ / برودُ الوقتِ أكثر ..
تشعرُ بالصباحِ ولا تراه , فيكبرُ حُلمها بنافذة ..
والعابرينَ / الحالمين مُتأخرينَ أدركوا أنّ السراديبَ لا تُصادقُ النسمات ..
بعد أنْ لبسَتْ رؤوسهمُ البياضُ وأصبحَتْ أرواحهم عرجاء ..
أدركوا أنْ لا بُدَّ مِنْ نافذةٍ للوصول ..
ولا مناصَ إلّا أنْ يشاءَ الله ..
..
.
يا صاحبي ..
هُنا وهُناك أنتَ مسروقٌ , حتّى في أحزانك ..
فكلّ شيءٍ لهُ مخالب ..
وشعلتُكَ التي أسرجتَهَا ذاتَ تيه , هيَ ( فقطْ ) تُشبعُ العتمة ..
ولا تُبدّدها ..!