زيارة فلسطينية ناجحة




زيارة عمل ناجحة حققها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لواشنطن، واللقاء مع الرئيس الاميركي أوباما ( الاربعاء 9حزيران) أعقبها سلسلة لقاءات أبرزها مع مستشار الأمن القومي جيمس جونز ووزيرة الخارجية كلينتون ومع لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، وزعماء الجالية اليهودية ونشطاء معهد بروكينز.
لم يتم ذلك لسواد عيون أبو مازن وياسر عبد ربه وصائب عريقات، بل بفعل مجموعة عوامل يقف في طليعتها :
أولاً : عدالة القضية التي يحملها ويتحمل مسؤوليتها الفريق الفلسطيني الحاكم.
ثانياً: السياسة الوطنية الواقعية التي يقودها فريق أبو مازن وحكومته الائتلافية والتي تعكس حماية المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني وتهدف الى تحقيق تطلعاته وانجاز حقوقه الثلاثة في المساواة داخل اسرائيل والاستقلال لفلسطين والعودة للاجئين.
ثالثاً: اتساع حجم التعاطف الدولي، والتأييد الانساني لعدالة الحقوق والمطالب والتطلعات الفلسطينية، وهذا يشكل عامل ضغط على الادارة الاميركية من قبل العرب والمسلمين والأوروبيين كي تتجاوب مع السياسة الحكيمة التي يقودها أبو مازن وفريقه السياسي، ومع عدالة الحقوق الفلسطينية المجسدة بالقرارات الدولية والتي ساهمت الولايات المتحدة بصياغتها.
رابعاً: سياسة اسرائيل العدوانية العنصرية المتطرفة والتي شكلت أداة إرباك وباتت مسببة الحرج للادارة الأميركية، بما يتعارض مع المصالح الكونية للولايات المتحدة وعنصر استنزاف لدورها في العالمين العربي والاسلامي، وبما تتحمله من مسؤولية باعتبارها الراعي الأول لإسرائيل.
ثمة تفهم اميركي، يتسع ويتعمق للمصالح الفلسطينية، وثمة احترام اميركي يتعاظم نحو الاداء الفلسطيني سواء على مستوى السياسة الخارجية التي يقودها أبو مازن شخصياً، أو على مستوى السياسة الداخلية التي يقودها سلام فياض شخصياً من خلال الحكومة الائتلافية، حيث التناغم بين الرجلين والسياستين (الخارجية والداخلية) ويكملان بعضهما، ما يوفر للشعب الفلسطيني حصيلة من الانجاز التراكمي في التصدي للاحتلال والاستيطان الاسرائيلي من ناحية، وفي مواجهة الانقلاب العسكري وتعدياته على الشرعية وعلى التعددية وعلى القواسم المشتركة من ناحية اخرى .
السلطة الوطنية الفلسطينية، حددت لنفسها أربعة مهام سياسية لخصها غسان الخطيب الناطق بلسان حكومة الائتلاف الوطني بالنقاط الاربع التالية :
1- بناء مؤسسات الدولة، 2- ممارسة الكفاح الشعبي، 3- كسب المزيد من الانجازات الدولية، 4- استعمال المفاوضات كوسيلة كفاحية لاستعادة الحقوق.
أولاً : بناء مؤسسات الدولة، وفرض قيم الاستقلال وتعبيراتها الواقعية على الارض، وفق خطة حكومة سلام فياض، انعكاساً للبرنامج الوطني الفلسطيني، باعتبارها حكومة منظمة التحرير واداتها التنفيذية، ويجري تنفيذها بشكل علني وتدريجي، ويتم تغطية تمويلها من قبل المجتمع الدولي (أوروبا و أمريكا واليابان على التوالي والمساهمة العربية لاتتجاوز 13 بالمائة من مجمل ميزانية السلطة الفلسطينية).
ثانياً : التمسك بوسائل الكفاح الشعبي والمقاومة المدنية كما هو حاصل حالياً في نعلين وبلعين والمعصرة والولجة وفي القدس، ودفع كافة القوى السياسية للمشاركة في فعالياتها في مواجهة الاحتلال والاستيطان والتصدي لعمليات التهويد والاسرلة، وتنميتها لتشمل كافة المواقع والمناطق الجماهيرية على امتداد الخارطة الفلسطينية كل حسب قدراته وامكاناته والفرص المتاحة امامه.
ثالثاً : الحفاظ على مواقف المجتمع الدولي المتعاطف مع عدالة المطالب الفلسطينية، وتطويره باتجاه القبول بفكرة الاستقلال والدولة المنشودة كي تصبح مطلباً دولياً، قابلاً للحياة والانجاز وازالة العراقيل التي تحول دون تحقيقه.
رابعاً: توظيف المفاوضات باعتبارها شكلاً من أشكال العمل السياسي والدبلوماسي لاستعادة الحقوق الفلسطينية ومكملة لوسائل النضال بهدف انهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال وفق قرارات الامم المتحدة .
وسواء كانت المفاوضات مباشرةً أو غير مباشرة، كما هو حاصل حالياً، في ظل الوساطة الاميركية ومتابعة حثيثة من قبل اللجنة الرباعية، فهي تستهدف تحقيق ثلاثة اغراض: اولها عدم التصادم مع واشنطن وسائر الاطراف الدولية، وثانيها وقف الاستيطان أو على الاقل تحجيم وتائره، وثالثها جعل قضايا المرحلة النهائية حية وفق الاتفاقيات التي تم التوصل اليها وقرارات الامم المتحدة ذات الصلة، وخاصة استعادة القدس وترسيم الحدود ووقف الاستيطان وازالته .
التوظيف الفلسطيني للمفاوضات، برز بشكل واضح حينما وافق الرئيس محمود عباس على استئناف المفاوضات، وعاد وجمد موافقته على خلفية استمرار الاستيطان، ثم رجع للمفاوضات غير المباشرة إثر التأكيدات الاميركية بممارسة الضغط على اسرائيل كي تنصاع الى استحقاقات التفاوض والتسوية وصولا الى حلول واقعية لمجمل عناوين وقضايا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي .
اسرائيل تواصل ممارسة الحماقات والتطرف والخروج عما هو مقبول دولياً، ففي خلال السنوات القليلة الماضية ارتكبت العديد من التجاوزات المشينة، بدءاً من الاجتياح للضفة الفلسطينية واعادة احتلال المدن وارتكاب الجرائم وخاصة في جنين ومخيمها، وقد ادى ذلك الى صدور قرار مجلس الامن ( 1397) وقرار خارطة الطريق (1515)، واجتياح غزة أثمر صدور تقرير جولدستون الذي أدان اسرائيل على ارتكابها جرائم حرب. واستعمال جوازات سفر لدول صديقة تسهيلاً لاغتيال الشهيد محمود المبحوح أدى الى طرد ومطاردة ممثلي الموساد من عواصم عالمية. واقتحام قافلة الحرية التركية أوقع اسرائيل في شر أعمالها، ما قدم المزيد من المكاسب والانجازات التراكمية لصالح الشعب الفلسطيني ولمنظمة التحرير وسلطتها الوطنية وحكومتها الائتلافية، وقد انعكس ذلك جلياً ليس فقط في حجم التنديد الدولي باسرائيل بل في حجم التعاطف العالمي مع الفلسطينيين، وهذا ما لمسه الرئيس الفلسطيني في سلسلة العواصم التي زارها من اسطنبول الى مدريد وباريس، وفي طليعتها واشنطن.