[right][size=21]الفقر.. قرّ.. فرّ.. قفْ.. أفقْ !
ويسألونكَ الرفقْ..

قرُّ شتاء.. تموت المعاطف.. تتسرب من أكمامها الشموس.. يطيرُ السقف.. فتُصبح عارياً تهيمُ في وطنٍ مُكفناً برايته مدسوساً في جيب المتحدث الرسمي لشعوبٍ خرساء!
فرّ.. عتمة عبر نفقٍ يسكنهُ القهر.. وثغر لا يتقن فنّ النطق بالحق، يلهو بحرق دُمى أولي الأمر، يكتب بالرماد صك السمع والطاعة كي يعيش..!

يا أنت .. يا أيها الراعي.. يا أيها المسؤول عن رعيته.. انتبه ! القاطنون في الجهة الأخرى من العملة المتهرئة التي لا تقبلها بيوت الصرافة.. يسألونك الرفق، لا يعلمون أنك فقدت السمع ذات هتاف بطول العمر، ودعاء بالنصر تحول إلى نصل موجه إليهم فانتصرت عليهم !

أيّها الراعي .. قف ! هناك.. هناك خلف النهر.. أو ما تَبَقّى من النهر.. كثيرٌ من العطشى.. تلهث كفوفهم المشبعة بتراب المناجم.. يفكرون في تلك الجماجم التي تعلو أكتافهم.. هل من سبيل إلى الماء؟ الماء يجري كما أعمارهم يا راعي أمرهم.. يجري بين أروقة القصور وأعمارهم تجري حيث القبور.. ألسنتهم تلهث: إن الناس مقامات.. وإنَّ أحد رعيّتك - من فقره – قد مات.. رغم أنه كان يسير على أرضٍ من ذهب وماس ونفط، وكثير من الزفت.. حيث تكون رقصة الثروة والموت..

يسير أحدهم.. يظل يسير.. لا أحد ينتبه إليه من فرط فقر دمه.. بطن تقرقر ووجه غائر، شعر أشعث أغبر.. تحت قدميه أرض متخمة بالخير ورائحة الـ"غير".. يأتي الراعي.. يمد يده في جوفِ الأرض.. يأكلُ.. يأكل ثم يأكل وما زاد عن الحاجة يبعث به إلى ما وراء حقول الماء.. يأكل حتى خطو أقدام الهياكل.. التي تسيلُ / تسير!

يسألون أحد الهياكل: أجائع أنت؟
يتهدهد: شبعان أنا حدّ الجوع..
يعطونه قطعة خشب تتحدث بارودا.. يمرمرون: لابد أن تقضي على جياعك..
يتمتم: هم إخوتي.. أهلي!
ينتفضون: إذا كنت تريد الثروة، عليك أن تشعل فيهم ثورة..!

تفور جمجمته ويثور.. يركل الأرض.. يأخذ قطعة الخشب، يتّجه صوب البحر..
يبعث ببصره جهة بحر أحمر، احمرّ خجلًا مما يحدث حوله.. يعود بصره خاسئا وهو حسير، فيزم شفتيه.. يهز كتفيه.. وأدنى منه حيث يرقد بحر العرب يقف.. تحت قدميه مضيق يندب.. قد جعل الناس له باباً له صفته..
بلاد تنتثر تعاني الندب.. بلاد تندب وهي نائمة في الموت.. عائمة في الثروة.. والقهر! يهرش رأسه بقطعة الخشب، ثم يَتَنَبّه أنها محشوة بارودا.. يصرخ: سفينة.. سفينة!
ينظر الأرض خلفه.. يعود خطوة.. يتحسسُ الأرض.. يحاول الرقص.. لا تطاوعه القدمان، فما يكون منه إلا أن يُـيَمّم وجهه شطر البحر مجدداً.. جاءت الأخبار بعدها تقول إنه تقرصن، اعتنق ديانة الماء.. فقد أوسعوه علماً وهو صغير، أن لأجداده أسطولاً يجوب البحار، وأن أجداده كانوا سادة العالم، يدفع لهم الغرب.. كما نطفح وندفع نحن للغرب الآن..

تقرصن بعد أن أرسلَ خيالاته هناك.. بعيدا هناك.. البحر الأبيض، البحر الذي ابيضت عيناه حزناً على أسطول أجداده الذي كان، فتوسّط الليل والنهار يأسا من عودتهم، وقد عانقه أسطول جديد قادم من بلاد البنتاجون.. يلعب دور القرصان الجديد، يجوب البحار التي هي بحار أجداده وهو الأولى بأن يملكها فيكون سيّدها، يعيد المياه إلى مجاريها فتصب في بحر العرب عوضَ مصب ابن واشنطن..
القرصان الجديد.. على عرش البلطجة يتربع.. شراع أسطوله مُربع.. لهذا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ، بينما يبني الهيكل المتقرصن أسطولاً شراعه مثلث حتى يأسر الرياح كما يشاء، ولن يعبأ بها لأن سُفُنه ستأتي بما لا تشتهي الرياح ولا ما يشتهي القرصان ولا ما تشتهي ربائب القادم من بلاد ما وراء البحار..
إنه سيُقيم نهضة وحضارة جديدة[/size][/right]