طفل في حقيبة
هذه أول ليلة يقضيها داخل حقيبة، هو لم يفعل ذلك لأنه يهوى قضاء الليالي داخل المحافظ، وهي لم تستوعبه لأنها كبيرة فحسب، بل لأن جسده الضئيل قد يختبئ في أي مكان!
من داخلها سمع أباه يصرخ: أين يمكن أن يختبئ ذلك الفأر الصغير؟
ثم صوت أمه التي توزع المهام على إخوته العشرة: أنت ابحث عنه فوق، وأنت تحت.. أنت ابحث عنه هناك، وأنت فتشي عنه هناك...لا تتركوا مكانًا دون أن تبحثوا فيه جيدًا، أنتم تعرفون أن بإمكانه الاختباء في أي مكان.
- ربما أكله القط!
كان قد نام دون أن يسمع هذا التعليق الخبيث الذي صدر من أحد إخوته، والقهقهات التي تلته، والصفعة القوية التي ختمت المشهد!
***
- أتسمي هذا كرّاسًا أيها الصعلوك الصغير؟
لم تكتف المعلمة بإمساكه من أذنيه وجذبهما بشدة، بل ضربته بامساحة اللوح نافضة غبار الطبشور على رأسه، ضحك زملاؤه الذين يطلقون عليه لقب القزم، فشعرت المعلمة بأنها تقوم بعمل بطولي، وراحت تشد أذنيه بقوة أكبر كلما ارتفعت أصوات التلاميذ بالضحك.
بعد نهاية الدرس، خرج من الصف منهكًا، جسده منحن إلى الأرض وأذناه اللتان اصطبغتا باللون الأحمر تؤلمانه، حقيبته الضخمة تثقل كاهله، وبدا مثل حمال مسنٍ بائس.. نزع حقيبته من على ظهره وراح يجرها في الوحل حتى وصل إلى المنزل.
حين رأته أمه مكتسيًا بياض الطبشور، ومحمر الأذنين، صرخت: ماذا حل بك يا ولد؟
- ضربتني المعلمة.
- مستحيل.. كيف تجرؤ على اتهام الآنسة بديعة بمثل هذا الكلام أيها الكاذب؟
ولما كان الكلامُ أحدَ جُزئي معاملة الأم مع أبنائها، فقد أردفته بصفعة كادت تسقطه أرضا.
عندما عاد والده من العمل في آخر النهار، هرع إليه ليشكو قسوة أمه ومعلمته، وبما أنه رأى حقيبته الملطخة بالوحل، فقد جاد عليه بصفعتين اثنتين هذه المرة.
انسحب الطفل إلى إحدى الغرف وهو يبكي، ومنها سمع أباه يقول لأمه:
- يبدو أن الحقيبة كبيرة عليه.
- صحيح، لدرجة أنني أصبحت أشك في أنها أثرت على نموه.
- بسيطة.. سأرميها غدا وأشتري له حقيبة جديدة.
حين سمع هذا الكلام، اتجه مباشرة إلى حقيبته ، دخل إليها، تكوم فيها وهو يتمنى أن يرميه أبوه معها في الصباح، ليشتري حقيبة جديدة وطفلاً جديدًا