الأرض قبل الحبيبة
وبعدما هبت الريحُ ...
في حقول القمح يا ولدي .. ،
وبعد ما أصيب الحقلُ ...
بالصدأ الملوث بالغبارْ .. !
وبعدما تلونت وجوهنا ..
من حرارة الشمس والهوانْ ... ،
وبعدما ... وبعدما ..
نزحت يا رفيقنا ... ،
مع بعض جيران لنا .. ،
ووالدي وأخوتي ... ،
وبيتنا .. وكرمتي .. ،
وكل من نهوى .. هناكْ ..
ثابتون .. راسخونْ ..
كالجذور ضاربونْ ..
يزرعون للشعوبْ ...
يحرثون فى الحقولْ ..
للقمح يرقصونْ ..
لله يسجدونْ ..
في صبح كل عيدْ .
* * *
يا صاحبي العزيزْ ...
وحيثما تكون ْ..
في الهند في الصومالْ ..
في الكنغو .. واليابانْ ..
والنمسا .. واليونانْ ... ،
وفي بلاد قاتلينا .. ،
ومن حطموا نايي .. وعودي ..
تلك أخباري إليكْ ..
ساردا بعدى .. وحزني ..
وغربتي .. ووحدتي ،
فقصتي من البدايةْ ..
رواية طويلة ... طويلةْ
فصولها حزينة ... ذليلةْ
حوارها مشوقٌ ..
سطورها هزيلة .. هزيلةْ
وتلك أطراف الروايةْ .
* * *
أرجوك يا صاحبي ..
أرجوك أن تكونْ ... ،
كالطود شاهقا ..
كالجذر ضاربا ..
كالصخر راسخا ..
فلا تذرف الدموعْ
يا صاحبي ..
خرجت ... منذ عشرين عاما ..
خرجتُ .. ذات ليلةٍ .. ،
فكان في بيتي دخيلْ ... ،
وكان جدّي عليلْ ... ،
ونحن أطفال صغارْ ... ،
ووالدي ممزق الرداء ..
ممزق .. ممزق .. ممزقُ .
* * *
كانت المأساة .. يا صاحي ..
فدعني .. ،
ثم أنهيت الروايةْ ... ،
والسر في النهايةْ ...
لم يكن شيئا جديدا ..
فتقرأ الكثير ... أنتْ ..
عن روايات قديمةْ ..
كي ترى لون الحقيقةْ ... ،
أو تعي سرّ القضيةْ .. ،
ففي نهاية الحوار ..
لم تدرك الكلامْ ... ،
أو تفهم الحقيقةْ .. !
فالزيف يا صاحبي ..
طلاء أعدائي المفضلْ .
* * *
ولنترك الحزن جانبا ... ،
والشجو والبكاء ..
ولنملأ " الغليون " تبغا ... ،
أو نشعل السيجار ..
فالأصدقاء يلعبون ..
بالأرض يعبثون ..
بالناس يهزؤون ... ،
والبعض يلهو بالحبيبةْ !!!
فتلك أطراف القضيةْ ... ،
وتلك مأساتي الشجيةْ .
* * *
نزحت عن بيتي وحيدا ..
تركت في الأرض الحبيةْ ...
تركت كرمتي ... ،
تركت إخوتي .. ،
ووالدي .. ومنزلي .. وأمتي ... ،
وكل شيء هناكْ ..
تركت فيها دفاتري ... ،
وكل أقلامي الرصاصْ ..
لم يكن وقتا لدي ...
لأكتب الشعر الشجي
أو أرسم الأشجار في الحقول .. ؛
لأنني مكبلُ ...
محطم معللُ ...
مذ كنت طفلا صغيرا .
* * *
لم يفسحوا المجال .. ؛
كي أملك الكلام ... ،
والقول والسؤال ..
لم يفسحوا المجال .. ؛
كي أطرح النقاش ..
لو مرة .. يا صاحبي
ليولد السلام .. ؛
فدائما يعذبون .. ،
والدي مرةً ... ،
ومرة إخوتي ... ،
وأميّ العجوز ..
فيتركون منزلي .. ؛
ويهجرون كرمتي .. ؛
فلن .. ولن يكون ... ،
وهم كالنخل راسخون ..
كالجذر ضاربون ..
في عمق عمق أرضنا ..
في عمق عمق قلبنا ..
حتى نلبي النداء
* * *
وبعد عشرين عاما .. وعامْ
قد مات والدي ..
ليس في الفراشْ ..
وليس بالرصاصْ ..
لكنهم قتلوهْ
قد مات يا صاحبي
من أجل كرمنا الصغيرْ .. ؛
وبيتنا الجميلْ ... ،
من أجل أشجار النخيلْ ..
لأن جارنا الدخيلْ ... ؛
يقطف الثمارْ ... ،
وينهب الغلالْ .. ،
ويحمل التراب في المساء ..
في الصباح ..
كيفما يشاء .
* * *
وبعد عشرين عاما .. وعامْ ..
كُبّلتُ بالحديدْ .. ؛
لأترك المكانْ .. ،
والأرض والحبيبةْ ... ،
وإخوتي الصغارْ ..
الأرض والحبيبةْ ..
لفظان توأمانْ ...
عقدان جوهرانْ ..
في الصدر يلمعانْ ..
لكنني مكبلُ .
* * *
سيَّان قيد السلاسلْ ...
سيَّان ترك المنزلْ ..
لكنني شديدْ ... ،
وفي غدٍ نعودْ
لابد أن نعودْ..
لابد أن نعودْ ..
للأرض قبل الحبيبةْ .