بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين


يعيش الإنسان في هذه الحياة وهو لا يعلم عن كل الإرهاصات التي تجري من حوله فيما هو منتبه لكل مايمكن أن يمس جسده مهما كان صغيرا , فإذا ما أحس بنملة صغيرة تمشي على جسمه نزع ثيابه ولم يطمأن حتى يلقي القبض عليها ويسحقها بين أصابعه كأنه يلقي القبض على مجرم خطير , وإذا ماحطت على أنفه ذبابة غضب واشتاط وتوعدها بالقتل وكأنها حطت في الأرض المحرمة , ولو التقى كتف انسان بكتفه في الطريق إنزعج وتبرم وشمخ بأنفه ولم تنزله بمجلد ضخم من كلمات الإعتذار من الطرف الآخر .


وترى الكثير من يحرص على أمواله حرص الأم على ولدها الرضيع متعلق بها تعلق الفصيل بأمه , فلا عيش له بدونها , ولا سعادة له إلا بجوارها , يستنشق عطرها قبل المنام , وليس يهمه إن كانت من حلال أو حرام .


يقول الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام :

أبني إن من الرجال بهيمة ... في صورة الرجل السميع المبصر
فطن بكل رزية في ماله ... وإذا أصيب بدينه لم يشعر

والدين عند هؤلاء الناس ( لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون ) .


ترى لماذا يهتم هؤلاء بأنفسهم وأموالهم , وينسون من هو أولى بالرعاية حتى من أنفسهم وأولادهم وأموالهم ؟

ولماذا يصرفون الأموال الطائله في تحسين صورهم في كل زمان ومكان , ويهدرون الساعات الطوال لإصلاح هندامهم لكي ينظر الناس إليهم وينسون أنفسهم التي ينبغي ألا تخدش بأي شيء وما تزينهم لأنفسهم إلا لكي ينظر الناس إليهم حتى لو كانت نظرات محرمة .


يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : ( ياعلي لا تتبع النظرة النظرة فليس لك إلا أول نظرة ) .


وإذا ما أراد الإنسان أن يصلح نفسه فإنه يحتاج إلى دورة تدريبية حتى يعود إلى ماكانت عليه خاشعة خاضعة .


والخضوع كما قيل يكون في القول , والخشوع يكون في الفعل , فإذا ما خشع الإنسان خشع بفعله وخضع بقوله , إلا أن هناك من يقول أن الخشوع والخضوع في كليهما معا كما في قوله تعالى : [ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ] .

ولعل من الأشياء التي تخدش نفس الإنسان هي النظرة , وما أدراك ما النظرة وما فعلها في قلب الإنسان فهي سهم مسموم من سهام إبليس .


يقول الإمام الصادق عليه السلام : (النظر سهم من سهام إبليس مسموم , وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة ).




وعن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال : ( سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل تمر به المرأة فينظر إليها فقال : أول نظرة لك والثانية عليك ) .


إن نفس الإنسان كالجنين في بطن أمه , فلو صادف أن تعرضت الأم إلى أشعة إكس تشوه جنينها وولد معاقا كأن تطمس إحدى عينيه وربما ولد ككومة لحم كما هو حاصل لآلاف الأطفال الذين يتعرضون لإشعاعات اليورانيوم المخصب في العراق , بل إن النفس أشد رقة من الجنين وهو في بطن أمه وإن الذنوب والمعاصي أشد خطورة من كل إشعاعات وتأثيرات الأسلحة الجرثومية والكيمياوية .

مقتطف من كتاب
أخلاق الروحانيين
في تهذيب النفس والسلوك
إلى الله





__________________