يقولون في غزّة هناك أزمة مقابر..الاسمنت مفقود، ومواد البناء لا تمر من نقاط التفتيش..ترى كيف يكمل المرء ما تبقى من شقائه من غير قبر؟..
قبر متريّ يمتدّ من جمجمته الى قدميه..ليأوي جسداً منهوشاً من الحصار والدمار واليتم الوطني..ترى كيف يكمل المرء ما تبقى من نضاله من غير قبرٍ يحترم نضاله..من غير وطنٍ مختصرٍ بحجم تابوت..يكون فيه الشعب ويكون فيه الزعيم..؟.
يقولون في غزّة هناك أزمة مدامع ..الحزن متجمّد في القلوب، وحبّات الدمع لا تمرّ من نقاط التفتيش.. ترى كيف تبكي الأمهات وكيف تهتّز الشقيقات السروات والحزن تحت الصفر..و الآه موقوفة على آخر معبر...
شهداء تلّ الزيتون، يتساقطون مثل غصون ما بعد القطاف، مثل حبّاتٍ ارتوت من ملح الأرض وظلّ الكروم..في تل الزيتون اختلط وجع الجرح بثلم الأرض..فتقاسم الغصن الموت مع الشهيد..حتى انجدلا على الأرض غارقين.. هنا شهيد ينزف دماً أخضر بلون الزيت، وهناك زيتونة تعتصر زيتاً أحمر بلون الدم..
(أمّ حسام) في باب الدار جالسة، خفق قلبها عندما أحضروا شيخ الشباب و حبيب البيت ..انحنت الى نعش الزيتون .. طارت دمعة من عينيها كيمامة المسجد وحطت فوق محراب الجفن..قالت لرفاقه ويدها ترتجف على وجنتيه : لم يخبرني أنه سيموت،طلب منّي أن أخيّط زرّ قميصه الأزرق..وأن أخبز له رغيفاً..وأن أهيىء له حمّاماً دافئاً ريثما يعود..ثم صمتت، وبكت من جديد..قالت وهي تقبّل الجبين : لو أمهلتني لأقطب زرّ قميصك..فكم كنت جميلاً بالأزرق...
يا بحر غزة رفقاً بهذا الزورق..وقبل أن يحملوه،مسدت شعره وابتسم..من بين جرح وفم..ثم مسدت شعره وابتسم ..من بين فرحٍ وغمّ..
يا أم الصبر يا غزة، ايتها المضرّجة برائحة ترابك، بعطر صمتك..ضعي أبناءك من على خصرك وابذريهم في الأرض وامضي..غداً سيكبرون..العشرة سينبتون مئة، والمئة سينبتون الفاً، والألف سينبتون أمه، والأمة ستلد وطناً..يا أم الصبر يا غزة ..ابذريهم في الأرض..فالغيث قريب.
بقلم أحمد حسن الزعبي