الجمعة 3/9/2010
مع إقتراب حلول عيد رأس السنة العبرية والأعياد الأخرى تطفو على سطح المجتمع الإسرائيلي الحقيقة التي نتحدث عنها على مدار العام وهي قضية الفقر وإتساع الهوة القائمة ،بل الإستقطاب ما بين الأغنياء والفقراء في هذا المجتمع . هذه الحقيقة مُرة مَرارَ العَلْقَم وهي وجود شريحة واسعة من العائلات التي لا تتوفر لديها إمكانية الإحتفال في الأعياد وتوفير الحد الأدنى من الحاجيات للعائلة ، كونها عائلات تغرق في عتمة الفقر المُدقع. وعندما نضُم إلى هؤلاء العائلات العربية التي تعيش في ذلك الفقر الرهيب فالصورة تُصبح أكثر سوداوية وأكثر إيلاماً ،لأن الفقر ليس مُجرد كلمة ،بل هو نمط حياة يسودها البؤس والضائقة للعائلة وأولادها.
عندما قامت جمعية "لتيت" التي تعنى بتقديم طرود غذائية لجزء من تلك العائلات عشية الأعياد ، بالمبادرة لإستطلاع رأي حول سياسة حكومة بنيامين نتنياهو بما يخص القضايا الإجتماعية عامة وقضية الفقر على وجه التحديد ، كانت إجابة الجمهور قاطعة "فَشِلتْ" حيث حصل على علامة 3.74 من أصل عشرة علامات مما يؤكد أن الجمهور غير راضٍ عن سياسته في القضايا الإجتماعية ، ولم يكن حال وزير المالية يوفال شطاينتس أحسن من حال رئيس حكومته حيث حصل على علامة فاشل هو أيضاً 4 علامات من عشرة وكذلك وزير الرفاه إسحق هرتسوغ الذي حصل على علامة 5.23 من أصل عشرة وهي أيضاً علامة فاشل. أي أن حكومة نتنياهو – براك – ليبرمان هذه فشلت بما يتعلق بمعالجة قضية الفقر والموضوع الإجتماعي عامة. وحمّل المشاركون في الإستطلاع سلطاتهم المحلية مسؤولية بأنها لا تعنى ولا تخصص الميزانيات مثلها مثل الحكومة لمعالجة قضايا الفقر والقضايا الإجتماعية.
نتائج هذا الإستطلاع ما هي إلا إدانة قاسية للسياسة الحكومية التي تواصل إغفال علاج قضايا الفقر وغيرها من المعضلات الإجتماعية التي نتجت عن السياسة الإقتصادية – الإجتماعية لحكومات إسرائيل وعلى رأسها حكومتي نتنياهو الحالية والسابقة .
وبالمقابل قامت – الحكومة - بتوفير كافة الإمكانيات والتسهيلات لأصحاب رؤوس الأموال ممن يملكون كبرى الشركات ، لتضمن لهم رفع نسبة أرباحهم ، من خلال تخفيض نسبة الضرائب والمدفوعات للتأمين الوطني والصحي ، مما يعني مواصلة إغناء الإغنياء وتكريس سياسة القهر والفقر للفقراء وبذلك تتسع الهوة وترتفع حدة الإستقطاب الإجتماعي .
نتنياهو فشل ومعه هذه الحكومة ، التي لم تنجح في أي مسار حتى الآن ، ونجدها ومن أجل ستر عورتها - وجودها هو عورة سياسة وإجتماعية بحد ذاتها- تقوم بشن حملة يمينية حادة ضد الجماهير العربية الفلسطينية وهي البقية الباقية في وطنها ، من خلال تشريع قوانين وتعديل أخرى للبطش بالحريات وتحويل الضحية إلى مُتهم ،الأمر لا يتوقف على التشريع فقط ،بل حملة التحريض تجري يومياً وعلى مختلف الأصعدة الإعلامي منها والسياسي ، كل ذلك يجري في ظل محاولة تغييب حقيقة فشل هذه الحكومة في علاج الهموم المعيشية اليومية للمجتمع الإسرائيلي عامة ومنها قضايا المواطنين العرب .
بعد إنتهاء فترة الأعياد العبرية يجري بحث مشروع قانون الميزانية ، الذي سيتم إقراره ضمن الأكثرية الكبيرة المتوفرة لحكومة نتنياهو في البرلمان ، هذا المشروع – الميزانية لا يحمل في طياته الخير للأكثرية الساحقة من المواطنين العرب واليهود، بل هو تكريس لسياسة دعم قوى رأس المال ، والسياسة التي تعتمد على فكر الليبرالية الجديدة الذي يتحدث عن الأسواق الحرة وعدم التدخل الحكومي فيها ،لكن ما ثبت حتى الآن للقاصي والداني هو أن نتائج هذه السياسة تعني أمراً واحداً وهو توفير المناخ السياسي والإقتصادي لقوى رأس المال ومنحها التسهيلات الكفيلة بزيادة أرباحها على حساب الأكثرية الساحقة من المواطنين الذين يعيشون في الفقر والضائقة . هذا هو المعنى الحقيقي لتلك السياسة المُجحفة بحق المواطنين. أكثرية الخبراء يؤكدون بان الحل قائم وهو في أيدي الحكومة ،وهو رفع نسبة الضرائب على كبرى الشركات وقوى رأس المال في إسرائيل بنسبة 1-2% (بالمائة) يوفر ذلك المبالغ الكفيلة بوضع حلول لضائقة الفقر والفوارق الإجتماعية ،لكن هيمنة قوى رأس المال هذه على الحكومة وسياستها تؤدي إلى تقديم المزيد من التسهيلات لجني الأرباح لتلك الشركات وأصحابها.
إعطاء علامة فاشل للحكم المحلي بهذه المناسبة ،معناه إعطاء علامة فاشل أُخرى لنتنياهو وحكومته ، فمن يقوم بشد حبل الخناق على الحكم المحلي هو نتنياهو ووزير ماليته شطاينتس ووزير الداخلية المهووس بيمينيته إيلي يشاي ، من خلال تقليص الميزانيات للسلطات المحلية وفي مقدمتها السلطات المحلية العربية التي تعاني الأَمَرّين من تلك السياسة التي تعتمد على التمييز .
المؤلم في نتائج هذا الإستطلاع أن الأكثرية أجابت بأن قرار تصويتها لحزب سياسي في الإنتخابات البرلمانية لا يأخذ بعين الإعتبار مواقفه من القضايا الإجتماعية بما فيها معالجة قضية الفقر ، بل يعتمد على برنامجه السياسي .أي أن ضحايا سياسة نتنياهو وحكومته ،هم من يقومون بالتصويت له ودعمه في الإنتخابات. يقومون بالتصفيق والتهليل لجلادهم .
رغم هذا الواقع الأليم لن نرفع نحن المناهضين لهذه الحكومة أيدينا مستسلمين لجلادنا ،بل سنواصل درب النضال اليومي العنيد من أجل إسقاط حكومة الكوارث هذه ،ومن أجل العدالة الإجتماعية ووقف سياسة دعم الأغنياء وقوى رأس المال على حساب الأكثرية الساحقة من المواطنين اليهود والعرب.